السبت, يناير 10, 2015

عن تفاصيل الرياضيات من حولنا


يطرح جيمس فرانكلن James Franklin في مقال جميل مطول على مجلة Aeon تساؤلاً  عاماً عن ماهية الرياضيات. اخترنا لكم منها هذه الكلمات..

 “ما هي الرياضيات حقيقة؟ نحن نعلم ماذا يدرس علم البيولوجيا؛ تدرس البيولوجيا الأشياء الحية، أو بدقةٍ أكبر، الجوانب الحية للأحياء – فمثلاً حركة قطة رميت من نافذة هي مسألة فيزيائية، ولكن فيزيولوجيا القطة هي مسألة تخص البيولوجيا”.
وفي حديثه عن طريقة الإهتمام بالرياضيات

“يهتم الجميع بفلسفة الرياضيات بطريقة لا يهتمون بها ذاتها، ;مقارنة باهتمامهم بأمر آخر مثل فلسفة المحاسبة مثلاً. من الصعب بمكان أن نشرح كيف لدماغٍ  ماديّ  أن يقوم بذلك”.
عبر بعض الفلاسفة عن رأيهم في الرياضيات و قال أحدهم بانه ليست هنالك فائدة كبيرة من الرياضيات

“هناك فيلسوف يرى في واقع أن الرياضيات ضرورية أمر مزعج، هذا الفيلسوف هو بيتر سنغر Peter Singer.

في واحد من أكثر كتبه مبيعاً حول الأخلاق، يقول Singer أنه لا يمكن أن نعتمد على الحقائق الأخلاقية الحدسية، حيث أن أكثر حالات الحدس إقناعاً غير مقبولة رياضياً. “الإثبات الذاتي للحقائق الأساسية في الرياضية” ويكمل: “يمكن بالنظر إلى الرياضيات كنظام من مفردات الحشو اللغوي…. هي حقيقة بموجب معاني المصطلحات المستعملة”.

لكن Singer مخطئ في اعتقاده أن هذه الفلسفة والتي تدعي “logicism” وتعني الفلسفة التي تقول بأن كل الرياضيات يمكن اشتقاقها من المنطق “هي فلسفة شائعة على نحو واسع إن لم نقل عالمياً” لم تقبل هذه الفلسفة من علماء الرياضيات لنحو 100 عام تقريباً الآن. ولكنه من الواضح لماذا قد يريد أي شخص مثل Singer -والذي يتمنى أن يشرح القوة الغريبة للحدس البشري-لفلسفة رياضية انكماشية أن تكون صحيحة”.

يطرح Franklin تساؤلاً قد يبدو غاية في البساطة ولكنه من الأهمية بمكان: “هل تتحدث الرياضيات عن شيء ما؟ هناك جوابان: -نعم- و-لا- وكلا الجوابين غير مقنع بعمق. إن من يفضلون الجواب “لا” يعرفون بأتباع المذهب الفلسفي الإسمائي nominalism، ويقولون إن الرياضيات مجرد لغة. ينظر هؤلاء إلى جداول تحويلات لابلاس وغيرها من الأدوات الرياضية كما يقول عنها الفيلسوف الألماني Carl Hempel بأنها مجرد “عصير تخيليّ”؛ وهي مفيدة في إضفاء المنطق على الفرضيات الفيزيائية، ولكنها ليست ذات معنى في حد ذاتها”.

يتحدث فرانكلن عن موضوعية الرياضيات ومدى قربها من مسائل الحياة اليومية فيضرب مثالاً عن الأعداد الأولية

 “لنأخذ مثال براعة توزع الأعداد الأولية. بعض من الأعداد أولية، وبعضها الآخر غير أولي. يمكن ترتيب دزينة من البيض في علبة كرتون بإحدى طريقتين، إما 6×2 أو 3×4، ولكن البيض لا يباع في حزم من إحدى عشرة بيضة أو ثلاثة عشر حيث أنه لا توجد طريقة أنيقة لترتيب إحدى عشرة بيضة أو ثلاثة عشر في علبة كرتون: حيث أن الرقمين 11 و13 أوليان بينما الرقم 12 غير أولي، ولا يمكن تشكيل الأرقام الأولية كناتج ضرب لأعداد أصغر منها. يمكن فهم واستيعاب هذه الفكرة بسهولة. ولكن هذا لا يعني أن الموضوع منتهٍ  ولا يوجد شيء آخر حوله لاكتشافه”.
أما عن فرضية ريمان الشهيرة والتي تبحث في توزع الأعداد الأولية يقول:

“تجدون معلومات دقيقة بشكل أكبر حول تعقيدات توزع الأعداد الأولية في فرضية ريمان، الفرضية الحدسية الأشهر والغير مثبتة حتى الآن”.
هناك فلسفة أخرى تسمي بالأفلاطونية وتقوم على فكرة أن الرياضيات تكشف لنا طوبوغرافية منطقة أو موضوع ما علماً أن حقائقه تسبق النمذجة الرياضية التي نقوم بها وحتى لغتنا

“مدفوعة بتلك الفكرة، تقترح الأفلاطونية فلسفة معاكسة للفلسفة الإسمائية. تبدو الأفلاطونية متوافقة مع النجاح الظاهري للبراهين الرياضية، والذي يبدو أنه يحكم الأشياء في كل العوالم الممكنة، وذلك بغض النظر عن قوانين الطبيعة التي يخضع لها ذلك العالم المحدد.”
أما عن المصاعب التي تعترض طريق الفلسفة الأفلاطونية

“لا تكمن مشكلة الأفلاطونية في المعرفة، بل بنظرتها نحو الكيانات الرياضية. من المؤكد أنه عندما نقوم بحساب أو قياس أو نمذجة الطقس رياضياً، فإننا نتعامل مع الخصائص الرياضية لأشياء حقيقية في هذا العالم، كالكميات مثلاً. لا وجود للتجريد في العوالم الأخرى، هذا في حال تواجد تلك العوالم فعلاً.”
يتساءل فرانكلن عن حقيقة وجود الرياضيات وكائناتها قبل دراسة البشر لها

“تخيل الأرض قبل أن يكون هناك بشر يفكرون بالرياضيات ويكتبون العلاقات الرياضية. كان هناك ديناصورات كبيرة وصغيرة وأشجار وبراكين وأنهار جارية ورياح… هل كان هناك في ذلك العالم أية خصائص أو ظواهر ذات طبيعة رياضية؟ “
أما إجابة هذا السؤال فهي (بنظر فرانكلن)

 “كان هناك بعض الظواهر. التناظر على سبيل الذكر، تمتلك الديناصورات كمعظم الحيوانات تناظراً ثنائياً تقريبياً. كما يمكن للأشياء غير المادية أن تتمتع بالتناظر، تمتلك البراهين مثلاً  تناظراً إذا كان النصف الثاني يكرر النصف الأول بالترتيب المعاكس. إن التناظر قضية رياضية غير مثيرة للجدل، وهناك فرع رئيسي في الرياضيات المجردة – نظرية المجموعات – مخصص لدراسة وتصنيف أنواعه. عندما يبرز التناظر في الأشياء المادية، يكون عندها أمراً جلياً؛ إذا كنت تمتلك وجهاً غير متناظرٍ، فلا تدخل في مجال السياسة، لأن ذلك يعطي انطباعاً خاطئاً فورياً على شاشة التلفاز. يمكن للتناظر كبقية القضايا الرياضية أن يتمتع بقوى اعتيادية، على عكس التجريد كما يفهمه الأفلاطونيون”.
هناك قضية رياضية أخرى تتمتع بخصائص قصية التناظر كالنسبية مثلاً

“هناك قضية رياضية أخرى يمكن تطبيقها في العديد من المجالات الفيزيائية تماماً كما التناظر، وهي النسبية”.
عن فلسفة رياضية أخرى مناقضة للأفلاطونية وشرح المبدأ العام لها

“هناك اسم لفلسفة رياضية أخرى تركز على الطريقة التي تنشأ فيها الخصائص والقضايا الرياضية في العالم الحقيقي. تسمى هذه الفلسفة بالواقعية الأرسطوية. تقوم هذه الفلسفة على نظرة أرسطو بشكل منافٍ  لنظرة معلمه أفلاطون. تقول بأن خصائص الأشياء هي حقيقية وموجودة ضمن الأشياء نفسها، وليس ضمن عالم آخر تجريدي. تعد فلسفة “علم الكميات” أحد نسخ هذه الفلسفة والتي اعتمدت على ذلك النوع من الرياضيات، وكانت الفلسفة الرياضية الرائدة حتى أيام نيوتن. ولكن ضعف تأثير هذه الفكرة بشكل كبير وأصبحت خارج أجندة العلم منذ ذلك الوقت، وذلك لأن الواقعية الأرسطوية تؤكد على أهمية قابلية الخصائص الرياضية للتطبيق في العالم، يمكن أن تقدم طريقة واضحة عن كيفية معرفة الحقائق الرياضية وذلك من خلال التصور كما هو الأمر مع كل أنواع الحقائق الأخرى”.
يتحدث Franklin هنا عن كل من الفلسفتين وأثرهما على إدراكنا للحقائق والقضايا الرياضية

“إذا قدّر للخصائص الرياضية أن تحقق في العالم الفعليّ  وكانت قابلة للفهم والاستيعاب، فإن الرياضيات لن تكون صعبة الفهم أكثر من استيعاب الألوان، والتي يمكن بالطبع شرحها باستخدام تعابير علماء الطبيعة. من جهة أخرى، يتفق الأفلاطونيون مع الأرسطويين على أن الإدراك والفهم للاقتضاءات والحقائق الرياضية أمر غامض وصعب”.
أخيراً يمكن اختصار الحديث السابق والرد على كل من الفلسفة والرياضيات

 “إن الواقعية الأرسطوية هي مجرد بداية جديدة. تحمل هذه الفلسفة رسالة إلى كل من الفلسفة بشكل عام وإلى الرياضيات مفادها: ألا يُسمَح بالغوص الأعمى بين الرموز، وألا نضيع في زحمة تجريد الأفكار، بل يجب دائماً أن يبقى الدراسون متيقظين إلى البنية الرياضية للعالم الحقيقي حولنا”.
المصدر

MathMaroc السبت, يناير 10, 2015


شارك الموضوع مع أصدقائك كي تعم اﻹستفادة



مواضيع مشابهة قد تهمك

آخر كتب تم نشرها Mathematics books for free



نرحب بجميع تعليقاتكم واستفساراتكم هنا

ملاحظاتكم وتعليقاتكم حول الموضوع