الجمعة, أكتوبر 31, 2014

عبقريات إسلامية في المغرب

ابن طفيل.. ابن رشد وابن خلدون...عبقريات إسلامية في المغرب


مثلما كان للمسلمين عباقرة في العلم التجريبي والرياضي، كان لهم فلاسفة كبار من أمثال الكندي والفارابي وابن سيناء والغزالي في المشرق، وابن طفيل وابن باجة وابن رشد في المغرب، كما كان لهم فلاسفة اجتماعيون أمثال مسكويه وابن الأزرق وابن خلدون، فضلاً عن فلاسفة لعلم النفس وفلسفة الحضارة وعلوم الاجتماع، كل منهم اهتم بالفلسفة الخالصة ومباحثها الميتافيزيقية العميقة، ولم ينس كل منهم أن يولي الإنسان اهتماماً خاصاً، جعل لمبحث الإنسان أهمية خاصة في هذه الحضارة.

وفي هذا السياق، يستعرض الباحث بركات محمد مراد في كتابه" دراسات فلسفية لعبقريات إسلامية" مكتبة الأنجلو المصرية 2006" بعض الأبحاث المهمة والدراسات العلمية والفلسفية التي أنجزها عباقرة العرب والمسلمين في مختلف جوانب الفلسفة سواء كانت ميتافيزيقية أو اجتماعية إنسانية أو متصلة بالحضارة وبالعلم والثقافة كاشفا في الوقت نفسه عن جوانب عبقرية وإبداعية لدى هؤلاء الفلاسفة والمفكرين الذي بهروا العالم برؤيتهم المستقبلية العميقة والفاحصة، إضافة إلى الذين اشتغلوا بالعلم- بخاصة منه التجريبي والاستقرائي- في وقت مبكر من تاريخ الإنسانية يسمى في الغرب بالعصور الوسطى، ويسمى لدى المسلمين بعصر الإسلام الذهبي.
ويشير الباحث بركات محمد مراد إلى أن أهمية النظرة الإيجابية إلى التراث عامة، والتراث العلمي والفلسفي عند العرب والمسلمين خاصة، تتبين إذا علمنا بمدى الأهمية القصوى التي يبديها الغرب للتراث منذ وقت مبكر، فحتى عصر الأحياء أو النهضة لم تقنع أوروبا بأن تبعث تراث أجدادها لتصل بين ماضيها وحاضرها، وتمهد لبناء مستقبلها وإنما نزعت بدافع أكاديمي محض إلى تاريخ العلم وإحياء تراثه،. دون نظر إلى جنسية أصحابه أو عقيدة بناته فنجد المنصفين من المستشرقين في البحث عن تراث الشرق ونقل كنوزه من ظلام القبور إلى نور الحياة، وفي عصرنا الحاضر شبّ خارج العالم العربي ولع بتاريخ العلوم عند العرب والمسلمين وبدأ هذا بخاصة - كما يوضح الدكتور توفيق الطويل في كتابه عن العرب والعلم في عصر الإسلام الذهبي- في قيام المجمع العلمي لتاريخ العلوم الذي أدرك مكان العلم العربي من العلم العام، وكذلك بمذاهب الفلاسفة المسلمين بخاصة ابن سينا ومكسويه وابن خلدون وكذلك كان الحال في معاهد العلم في الغرب من برنستون ولندن وباريس وفرنكفورت فرصدت له ميزانيات ضخمة وكُتِّلت من أجله جهود الباحثين من شتى الأجناس ومختلف الملل.

وحرصت جامعات العالم المتمدين على تدريس تاريخ العلم، حتى انشأ بعضها- كجامعة لندن- أقساماً بهيئات تدريس كاملة تتوافر على تدريسه إلى جانب المعاهد سالفة وذلك كله بالإضافة إلى الجهود الأكاديمية الفردية الجبارة لمؤرخي العلم حيث نجد طبيب العيون الألماني" هيرشبرجHirschberg الذي قضى من حياته العلمية خمساً وعشرين سنة أرخ فيها طب العيون في سبعة مجلدات ضخمة خصص الخامس منها لطب العيون العربي عند العرب، وجورج سارتون sarton أعظم مؤرخ للعلم في القرن العشرين يخص العرب في مؤلفاته المتعددة بشطر كبير من جهوده كما يصنع صنيعه ول ديورانتw.Durant الذي يجعل للعرب في موسوعته الضخمة نصيباً موفورا ويؤرخ المستشرق الفرنسي لوسيان لوكيلر luelerc طب العيون في مجلدين ضخمين ويحذو حذوه في تاريخ الطب العربي إدوارد براون browne وينشر المستشرق الإيطالي كارلو نيللنو nallino تاريخه لعلم الفلك عند العرب في عصريه القديم والوسيط ويضع ألدومييلي aldo mieli مجلده الضخم عن العلوم عند العرب في عصورهم الوسطى، ومثل هؤلاء من الغربيين في عالمنا الحديث كثيرون.

ويوضح بركات محمد مراد أن كثيراً من هؤلاء المستشرقين خصصوا كثيراً من مؤلفاتهم للكتابة عن فلاسفة المسلمين ومفكريهم وكذلك عن متصوفي الإسلام وحقق هؤلاء المستشرقون كثيراً من المؤلفات العربية والإسامة، ولفتوا أنظار العالم إلى أهمية التراث العالمي العربي والتراث الفلسفي والإسلامي، ويقول: لقد عرف تاريخ العرب والمسلمين مشارقه ومغاربه مرحلة مزدهرة بزر فيها العلم العربي، أي المكتوب بالعربية، ابتداء من القرن الثاني على الخصوص.

فتملك العلم اليوناني والهندي والفارسي وغيره، وتأثر به ثم نما وأبدع بعد أن أصبحت اللغة العربية التي تكتب بها مختلف العلوم وتلقن ويترجم إليها كل ما يحتاج إليه من الغير وتنتج بها المعارف المطورة أو الجديدة ويترجم منها إلى لغة الغير ، وعاد العلم العربي كونياً متعدد المصادر والمنابع والتطورات والإمدادات ثمرة حركة ترجمة كثيفة علمية وفلسفية وتقاليد علمية متنوعة الأصول واللغات بما فيها السريانية والسنسكريتية والعبرية" وديانات مختلفة إسلامية ومسيحية ويهودية ... الخ" حركة دعمتها السلطة ودفعها البحث العلمي وتولدت عنها مكتبة تتناسب وعالم الحقبة، حركة غدت موحّدة تحت قبة الحضارة الإسلامية الواسعة لغتها العلمية هي العربية تقرأ بها ترجمات الإنتاج العلمي الكلاسيكي والأبحاث الجديدة في ذات الآن في سمرقند وغرناطة ودمشق والقاهرة وفارس وغيرها وكان المسلم الذي يكتب بلغة فارس يقوم بنقل مؤلفه إلى العربية "البيروني مثلاً" التي لم تعد لغة لشعب واحد بل أصبحت لغة عدد من الشعوب ولا لغة ثقافة واحدة، بل لكل المعارف.. فتحت معابر غير مسبوقة وسهلت الاتصال بين المراكز العلمية المنتشرة بين الصين والأندلس والتبادل بين العلماء وتكثفت التنقلات العلمية والمكاتبات بين العلماء لنشر العلم والتعاون وأصبح العلم اللاتيني يتوقف على الترجمات من العربية إلى اللاتينية وواكب كونية العلم العربي إذن تعدُّد اللغات المنقول منها وإتقانها والترجمة إلى العربية بكثافة وتعدد ديانات العلماء الذين كتبوا بالعربية وتعدد مصادر المعارف وتكامل المعارف من تنجيم وفلك ورياضيات وجغرافيا وكيمياء.... الخ.


ففي الطب مثلاً كانت مدينة جنديسابور في الجنوب الغربي لفارس قد مثلت مركز تعليم ومركز استشفاء يضم مدرسة للطب أمّنت ترجمة نصوص يونانية وربما سنسكريتية إلى الفارسية والسريانية وضمت أحسن الأطباء وشهد العصر العباسي الأول تشجيع انتقال الأطباء منها إلى بغداد، التي أنشئت فيها بداية القرن الثالث مؤسسة بيت الحكمة، وشيدت لها مكتبة خاصة وحددت مهمتها في ترجمة النصوص العلمية، وأرسلت البعثات إلى القسطنطينية للحصول على المؤلفات وأصبح على رأس المؤسسة نصراني يوحنا بن ماسويه، ترجم كثيراً من المؤلفات وشملت كتاباته موجزاً في الطب، واشتهر تلميذ له نصراني أيضا هو حنين بن إسحاق الذي ترجم إلى العربية والسريانية جميع المقالات المعروفة في عصره في الطب، ونصف كتابات ارسطو ومعظم مؤلفات جالينوس وفي القرن الثالث أنجزت المراجع الطبية الكاملة على يد أبي بكر الرازي مثل كتابه عن الجدري والحصبة وكتابه الضخم الحاوي في الطب، وعلى يد ابن سينا في ما بعد أنجز القانون الذي ظل يدرس مرجعاً في جامعات أوروبا إلى حدود القرن السادس عشر الميلادي.
ويوضح بركات محمد مراد أن من أعضاء بيت الحكمة اشتهر الخوارزمي الرياضي والفلكي الذي أظهر لـه كتاب الجبر والمقابلة فكان مصدر الهام للرياضيين بالعربية والفارسية واللاتينية ولغات أوروبا حتى القرن الثامن عشر، وتميز بين الفيزيائيين الرازي والبيروني والخازن وابن سينا وابن رشد وابن ميمون وغيرهم، الذين طوروا أو انتقدوا عدداً من أفكار أرسطو وغيرهم من اليونان، وتمثل تأثر الغرب بالعلم العربي في مئات الألفاظ في الفك والطب والفيزياء والجغرافيا والرياضيات والكيمياء يقتفي أثرها علماء اللغة في مختلف اللغات التي تولدت عن اللاتينية ونهج العلم العربي في الأندلس نهجاً مماثلا تجلى في التقليد الفلكي والتنجيمي والزراعي والطبي اللاتيني ثم وقع تعريب" الثقافة الأندلسية في الطب والفلك والرياضيات ابتداء من القرن العاشر الميلادي في الجوامع والبيوت الخاصة قبل ظهور المدارس ثم وصل العلم الأندلسي إلى مستواه الإنتاجي والإبداعي ابتداء من القرن الحادي عشر في الزراعة والاسطرلابات الشاملة وتطور العلوم الرياضية وازدهار الكيمياء والتقنيات والميكانيكا.

MathMaroc الجمعة, أكتوبر 31, 2014


شارك الموضوع مع أصدقائك كي تعم اﻹستفادة



مواضيع مشابهة قد تهمك

آخر كتب تم نشرها Mathematics books for free



نرحب بجميع تعليقاتكم واستفساراتكم هنا

ملاحظاتكم وتعليقاتكم حول الموضوع