الخميس, أغسطس 28, 2014

أزمة الهندسة الأقليدية

 كانت هندسة اقليدس نموذجاً مثالياً لقدرة العقل في فرص رؤاه وقوانينه على العالم إلى درجة أن هذه الهندسة سيطرت على أذهان البشر لأكثر من ألفي سنة على أنها النظام الهندسي الوحيد لهذا العالم وأنها مقامة على شكل كامل وأن اقليدس قال الحقيقة كلها .

من المعروف أن بناء اقليدس الهندسي يستند إلى تحديدات منطقية لا تحتاج إلى برهان ، تبدأ من المعرفات والبديهيات والمصادرات وهي التي يجب التسليم بصحتها دون برهان وبالفعل قام اقليدس بانتقاء عدة البديهيات ومصادرات بدأت له أكثر وضوحاً من غيرها وقد تبين فيما بعد أنه يمكن التحقيق من جميع البديهيات والمصادرات ، عن طريق رسمها وتخطيطها ، باستثناء مصادرة واحدة تأبت عن الرسم والتخطيط ولم تفلح جهود العلماء المتواصلة من التحقيق منها وهي المصادرة الخامسة المعروفة ب " المتوازيات " سواء كان هذا التحقيق مباشرة أو عن طريق متكافئات لها أو إيجاد بدائل لها. كان اقليدس على وعي بصعوبة هذه المصادرة ولكنه لم يشير إلى ذلك مباشرة أما المحاولات المباشرة فقد بدأت في وقت مبكر من عمر الرياضيات العربية حيث حاول العيد من العلماء العرب الذين أدركوا مشكلة هذه المصادرة وضع متكافئات لها ، وهي صياغات تعادل الصياغة الأصلية ، ويرهنوا على هذه المتكافئات للتأكد من صحة المصادرة ولكن جهودهم لم تفلح بصورة كاملة إلى أن جاء " الطوسي " الذي حاول بكل جدارة أن يبرهن على المصادرة الخامسة . فكانت محاولته بدء عصر جديد في علم الرياضيات الحديثة وقد عرفت أبحاث " الطوسي " في أوربا خلال القرن السابع عشر وبخاصة من قبل " واليس wallis" حيث قامت هذه البحوث بدور مهم في إعداد أحد و أهم الاكتشافات في الرياضيات وهو وجود أنظمة هندسية غير أقليدية .


والحقيقة أن " الطوسي " لم يكن يهدف أو يسعى من وراء برهان المتكافئات إقامة هندسة بديلة لهندسة اقليدس بل كان يحاول تصحيح الخطأ الكامن فيها إلا أن هذه البرهنة أدخلت الهندسة عصراً جديداً . ولم يعد نظام اقليدس الهندسي هو النظام الوحيد الذي يفرضه العقل على الكون ولم يتأكد ذلك بصورة نهائية إلا عندما قدم كل من " ريمان " و لوباتشوسكي " نظامين هندسيين مختلفين ، وكلاهما صحيح وهو ما عرف بالهندسة المقعرة والهندسة المنحنية .
أهمية هذا السرد هنا ، هو أنه لم يعد من القبول أو المستاع أن تقبل هندسة ما على أنها الهندسة الوحيدة والنهائية في تفسير قوانين الكون الهندسية فقد تبين أنه بالإمكان إيجاد أنظمة هندسية عديدة وكلها صحيحة بشرط الالتزام بالتعريفات والتحديدات الأولية و الأنساق واستخلاص القوانين بشكل سليم وكذلك لم يعد الصدق ضرورة عقلية مطلقة إنما الصدق هو الاستخلاص المشروط والتي توضع في الصياغة "إذا كان .......فإن .......".


فإذا كانت المصادرة الخامسة قد أربكت العقول طول ألفي عام فلأن مشكلتها لم هندسية محضة . بل هي فلسفية في الدرجة الأولى . أي أن المشكلة تكمن في أساسها فقد كانت كل مصادرات اقليدس تنطلق من كون متنا هي . إلا هذه المصادرة فهي تعبر عن كون غير متناه ، ومن هنا كان تناقضها الفلسفي مع موقف اقليدس العام وتناقضها المنطقي مع بقية المصادرات فالمشكلة إذن فلسفية والوعي بها كان أيضاً فلسفياً .كما أن ظهور هندسات جديدة لا أقليدية ، اتخذت برهان الخلف المنطقي ، أساساً وعولاً لهدم هندسة اقليدس وخلع القداسة عن اقليدس وأصبحت هندسته ؛ هندسة من ضمن مجموعة هائلة من الهندسات.


MathMaroc الخميس, أغسطس 28, 2014


شارك الموضوع مع أصدقائك كي تعم اﻹستفادة



مواضيع مشابهة قد تهمك

آخر كتب تم نشرها Mathematics books for free



نرحب بجميع تعليقاتكم واستفساراتكم هنا

  1. هل بالامكان الحصول على كتاب ثلاث قرون من الضلال في الجيومتري للبناني متى رشيد لانه يزعم برهنة المسلمة الخامسة

    ردحذف