“الرياضيات .. عرفناها في المدرسة ..وياليتنا لم نعرفها البتة”
هذا لسان حال أعداء هذه اللغة المقدّسة .. لماذا نقول أعداء؟ فهم لا يفهمونها حتى ولا يعلمون عماذا تتحدث!
الرياضيات الحقيقية ليست الرياضيات التي نتعلمها ونتشائم منها في المدرسة والجامعة وفي حياتنا اليومية، الرياضيات كما أسميها هي (آية الكون) وآلية الكون
هي ترجمة ظواهر هذا الكون الخلاّب.
صحيح أن %95 من سكان العالم لا يحبون الرياضيات، حسناً، لماذا؟ ما السبب؟
هل هي عدم الفهم؟ لا أحد ينكر أن لغة الرياضيات كعموم هي معقدة، ولا ينجز حل المعادلات والعمليات الصعبة إلا من يصقلها
ولكن ليست هذه حقيقة الرياضيات، ليست التعقيد أو الإرباك، وظيفة الرياضيات الأصلية: هي التبسيط ومحاولة فهم تعقيد هذا الكون
ولكن التعليم هو سبباً أولاً في تحويل هذه اللغة إلى التعقيد، محاولاً بكل غرور وغطرسة أن يجعلها سهلة في أعين الطلاب، وإن حاول جعلها سهلة، فتصبح مجرد لغة مدرسية نحل مشكلاتها الوهمية التي لا تُفهم حتى ما فائدتها ثم نذهب لبيوتنا
التعليم حوّل لغة الرياضيات إلى لغة طلاسم أشبه بتعويذات سحرية لا نفهم ماذا تعني .. مجرد مشكلات لا نعرف ماذا تسبب .. وإذا حللناها لا نستفيد منها شيئاً سوى زيادة الدرجات من المعلم التلقيني
ولكن بالطبع الجميع تقريباً يدرك أن للرياضيات فوائد عظيمة في حياتنا اليومية، فالإنترنت والصور ومقاطع الفيديو وروابط المواقع كلها قائمة على أساسيات الرياضة بالطبع
وفي الحقيقة: على ذكر الطلاسم والسحر، كانت الرياضيات في زمن نيوتن وما قبله بقليل، كانت تعامل الحسابات الرياضية على أنها لغة شعوذة وشفرات سرية لا يفهمها إلا القليل ولكن بالطبع، كانت بهذه الطريقة لم تحقق أي تقدم
ولكن نيوتن الذي كان متصوفاً وخيميائياً، حوّل هذه اللغة الراقية إلى من مكانة السحر والخرافات إلى مكانة العلم
وليس فقط نيوتن من أسهم في هذا الإنجاز، لدينا نيكولاس وكابلر وجاليلي
وكانت الرياضيات قبل 300 سنة ليست إلا أسلوباً غامضاً يتخذه “متصوفون” ذلك الوقت لفهم حقيقة عمل العالم والوصول إليها وكان العلم عموماً واحداً من الأساليب الغامضة التي يتخذها المتصوفين لفهم الحقيقة الغير مرئية
وكانت لغة الرياضيات تكتب على الورق على أيدي المتصوفين بشكل غريب.
ولكن بالطبع اليوم ليس على ذلك الحال، فالرياضيات تقوم عليها التجارب والفرضيات، وهناك نظريات علمية مسلّم بها الآن وكل هذا بفضل هذه اللغة
والرموز الرياضية التي نعرفها، بعضها صارت من هؤلاء المتصوفين ومن العلماء
وعلى رغم فضل هذه اللغة التي جعلتنا نفهم تقريباً عمل هذا العالم وقرّبتنا إلى الحقيقة، إلا أننا لا زلنا لا نفهم هذه الحقيقة الغامضة بشمول
فهناك سؤال .. كيف تكوّنت هذه اللغة؟ ومن أوجدها؟
هذا سؤال لم يجد له إجابة حتى الآن، فمعظم الفيزيائيون يعتقدون أن الاجسام الرياضية واللغة الرياضية في مكانة أرقى وأعلى من العالم المادي التي نحاول أن نفهمه بها، فجميع الكون بأكملها تسيطر عليه الرياضيات، فمن ذا الذي صنعها؟
كان نيوتن وجاليليو وغيرهم من أوائل العلماء يتعاملون مع لغة الرياضيات كنوع من السعي الديني، ويعتقدون أن كلما تقدموا في فهم اللغة اقتربوا إلى فهم عقلية خالقها، فهم يؤمنون أن هناك وجود لخالق العالم الفيزيائي الرياضي
وبالتأكيد معظم العلماء حالياً، لا يؤمنون بوجود خالقاً لها، ولا يتعاملون مع الرياضيات من منظار ديني، وإلا لتوقفنا عن البحث والفهم، ولسلّمنا فوراً حقيقة أن هناك خالقا، ولذهب دافع البحث العلمي، وهو اكتشاف أن هناك معنى بشأن هذا العالم لسنا بمعرفة به بالفعل
وهناك حقيقة يجب أن ندركها، أن لغة الرياضيات لا يمكن أن نراها في هذا العالم المجرد، لا يمكننا أن نرى بعين مجردة تنظيم وتناسق وتناغم رياضي يحدث في العالم المادي، ولا يمكن أن نجد نص رياضي لسقوط الشلال، أو لاحتراق الغابات، ولطيران الطيور، أو لسباحة الأسماك، لا يمكن أبداً أن يكون موجود، وحتى لو أحد لاحظه وأوجده لا يكون قادراً على فهمه، ولكن يمكن استنتاج وجوده
ولكن الآن اكتشف العلم عن وجود هذه الشفرات الرياضية، وأصبحنا نحن البشر نفهم عملية الكون.
الحيوانات ترى الظواهر الطبيعية المضطربة، ولكن الإنسان العاقل هو من تمكّن من تفسيرها
ولكن كيف صار هذا؟ هل للرياضيات إدراك؟ هل لها فهمها ووعيها الخاص؟ كيف حدث الانفجار العظيم؟
كيف تشابكت الذرات المضطربة غير العاقلة ليس فقط لتوجد الحياة ولا لتوجد العقل، بل توجد الفهم أيضاً؟
بل وأنتج هذا الكون بشراً ليس فقط قادراً على مشاهدة المسرحية، بل وفهم قصتها وحبكتها
أحياناً أجد الأمر مضحكاً ومحيراً، عندما اسأل هذا السؤال:
كيف تمكنت رياضية هذا الكون من إنتاج “المخ البشري” الضئيل بالنسبة لها والذي يتوحد مع شمولية هذا الكون، بل ويتناغم مع رياضيته الصامتة والغير مرئية؟، بل ورغم هذا، ربما هذه المرة الأولى والوحيدة في أي مكان في الكون التي تفهم فيه العقول هذه الآية الكونية، وربما إذا زال البشر من الوجود، لا يوجد أحد آخر من يفهم هذه الآية غيره
هذا بعد 13,7 بليون سنة، قد ظهر هذا الكائن الذي يرقص مع النغمة الرياضية، وقد تمر تريليون سنة أخرى، يحاط هذا العالم بغموض تام، مر على لحظة تنوير عابرة في كوكب صغير في مجرة ما لايميزها شيء
قد تكون هذه اللغة ليست موجودة إلا في هذا العقل البشري، وأن حقيقة هذا الكون أعمق من أن نراها أو نفسرها؟، أم أن “العقل البشري” ليست إلا حالة شاذة عجيبة مرت بهذا الكون العبثي الذي لا معنى له؟
هل القوانين الرياضية حقيقة؟
فكرة القوانين بدأت كأسلوب لمنهجة الأنماط الموجودة في الحياة الطبيعية
وصار الفيزيائيون الآن يعتبرون أن هذه القوانين ترقى لمكانة الحقيقة، أي صار للقوانين حياة خاصة بها وتسير وفقها
سأبسط لكم الفكرة بمثال من واقع الحياة:
المال الذي لديك على صورة عملات ورقية، بمعنى أشياء مادية ممكن مبادلتها ببضائع أو خدمات، رغم ذلك فالمال المجرد له حياة خاصة به، فالمستثمرون ممكن أن يزيد مالهم أو ينقص بدون أن يبيعوا أو يشتروا أشياء مادية، كالأسهم والتداول والبورصة وغيرها، وأيضاً المال الموجود على الإنترنت، فهو مال افتراضي
لا يتشكّل على صورة عملات معدنية أو ورقية
وكذلك قوانين الفيزياء لها عالمها وحياتها الخاصة، فهي أشبه في حالة انتظار
ما أن تدخل مادة في عالمها، تجبرها على الانصياع لها
فهي مالكة السيطرة على الطبيعة، ومن غير الممكن مخالفتها
وكأنها في مستقرها السامي، تتحكم في شؤون الدنيا .. لا تحاسب، ولا تعاقب
أغلب علماء الفيزياء من يعتقدون هذا الاعتقاد ولو لم يصرحوا به
تفكّر أيضاً أفلاطون بأن الأجسام الرياضية كالدوائر والمثلثات في عالم مثالي، ليست كدوائر ومثلثات عالمنا المادي والتي هي قريبة منها
حسناً، هل هذا يعني أن الكون له مصمم؟ أي له خالق؟
سابقاً وبعض الأديان إلى الآن، تعتبر هي الأولى منهجياً من فسرت عمل الكون بصورة شاملة، وأن لها كيان فائق القدرة ينظم هذه الطبيعة أو يخالفها حسب مشيئته
كرّست الأديان الإبراهيمية قروناً عدة لترسم دراسة تحاول فيها أن تجعل تفسيراتها الدينية مقنعة ومتسقة، وإلى هذه اللحظة يعتمد الملايين من الناس ويبني نظرته للعالم الطبيعي من نظرة دينية
وللأسف العلم كان من المحاولات الثانوية لتفسير العالم الطبيعي ، وبالطبع عندما تعارضت التفسيرات العلمية مع التفسيرات الدينية كان النصر حليفاً للتفسيرات العلمية
وكثيراً الآن من “العلماء الدينيين” الذين يحاولون بتكلف إزاحة العلم إلى الدين أو بالأحرى إزاحة الدين إلى العلم ما يسمون بـ(إعجازيين)
وبالطبع هؤلاء لا يقصدون أن يهدوا الغير متدينين إلى دينهم، ولكن يقصدون أن يزيدوا على المتدينين جهلاً وضلالاَ، ولا زال هناك اليوم من المؤمنين من يؤمن أن المطر ينزل من آلهة وليس ناتجاً عن عمليات تحدث في الغلاف الجوي، ولا تظن أن النصر سيكون حليفاً لرجل دين في مناظرةً مع عالم طقس
ولكن الآن انسحب أغلب علماء اللاهوت عن تفسير العالم الطبيعي، وأغلبهم الآن يركّز على الأمور الأخلاقية والاجتماعية
وهذا لا يعني أن العلماء الطبيعيين قد فسروا كل شيء، فلا زال هناك ثغرات متبقية، لا زلنا لا نعرف كيف بدأت الحياة، وكيف أتى الوعي البشري ومتى بدأ، وهناك ظواهر طبيعية كثيرة لا يُعرف كيف تحدث بشكل كامل
ولكن هذا لا يعني أن نلجأ إلى الخرافة والمعجزات لكي نريح أنفسنا بأي جواب نريده
بل نحتاج إلى فهم علمي أعمق
ولكن هناك أفكار يعرضها الدين لا يستطيع العلم أن يجابهها
مثل: لماذا توجد قوانين للطبيعة؟
فمثل هذه الاسئلة لا يستطيع العلم أن يخمدها في عدة اكتشافات علمية، فمنذ مولد الحضارة الإنسانية إلى اليوم لا تزال هذه الأسئلة كبيرة بلا تغيير
فالأديان أتيحت لها مئات الستوات لتفكر في هذه الأسئلة، وجميع رجال الأديان ليسوا بسطاء العقول، بل مفكرين
وأغلب العلماء المعاصرين من أرادوا أن يفهموا العالم الطبيعي بشكل تام، ويريدون أن يضعوا نظرية كل شيء لكل الظواهر الطبيعية، بأن ما يعطيهم الدافع لهذا المسعى هو نبذهم لفكرة “التصميم” نبذاً كلياً – لأنهم برونها مضللة وخطيرة-
ولا يحبون أن يضعوا فكرة “الغرض” أو “المعنى” او “التصميم” “الهدف” لهذا الكون، ولا يوجد حل وسط بالنسبة لهم بين العلم والدين، وبالتأكيد يرون أن النظرة العلمية معاكسة تماماً للنظرة الدينية للكون
ويرون أن النصر سيكون حليفهم بسبب التفوق والتقدم العلمي الذي يسير على المنهج القوي
ولكن هل هذا كافي؟
الأديان جميعها تختلف عن بعضها من ناحية وجهة النظر التي يرونها لتفسير الكون، فالمسيحية واليهودية والإسلام جميعها تختلف في تفسير أصل الكون أو أصل الحياة ومن منهما هو المحق ومن منهم الباطل
ولكن ما يجمع وجهات نظرهم، هو أن للكون مصمم، أشبه بمهندس معماري الذي أوجد هذا النظام الرياضي والمنطقي للكون، والذي اكتشف من العلم.
والعلم لا يستطيع أن يواجه هذه الفكرة عن الإله.
MathMaroc | الخميس, يوليو 17, 2014 |
شارك الموضوع مع أصدقائك كي تعم اﻹستفادة
مواضيع مشابهة قد تهمك
|